From my diary of Syria

أخضر...أخضركاللون الذي ينير مآذن مساجد دمشق في الليل. اللون الأخضر الذي يرى منأعلى جبل قاسيون متشتتًا في المدينة الكبيرة. وعندما تتجول في الشوارع فإنه يُبهِرالبصر أحيانًا لأنه يضرب في العيون مباشرة بحدّته.قدتجده في السرافيس ولا بد أن يفتخر به السائق كثيرًا إذ أنه لا ينسى أبدًاإشعال هذا الضوء في حيّز الركاب عند غروب الشمس. وبالطبع إنه دائمًا نيونفلا يوجد للسوريين ضوء أحسن منه وربما ليسوا مخطئين إطلاقًا لأنهنظرًا لحرارة دمشق في الصيف فكل ما لا يدفئ هو بركة من السماء.

القنصلية في باب توما

Imageتحت بيتنا يوجد بقالة السيد باشوري الذي يلقبه كل الناس "موسيو" لأنه يدمدم بعض الكلمات الفرنسية فقد اشتغل منذ سنوات في السفارة الفرنسية. ليس وجهُه وجهَ رجل يقظ إذ أنه يبدو راقدًا بعض الشيء ولعله ألا يكون ذكيًا جدًا. رغم ذلك نحن نسمي بقالته القنصلية الفرنسية نظرًا لحرصه على ذكر وظيفته الماضية لدى السفارة الفرنسية. ويتكلم موسيو باشوري بالفرنسية ما أن يظهر زبون آخر حتى يبين له علمه بلغة أجنبية. دكانه صغير للغاية وتجد فيه كل حاجة. يأتيه الزبائن ليشتروا اللبن واللبنة والسكر والعرق وما إلى ذلك. عنده يباع اللبن بالدلو. قد ترى الزبائن وهم غالباً الأطفال يخرجون من الدكان يحملون دلاءً في أيديهم .أما اللبنة فعنده طريقة خاصة لإخراجها من العلبة فيضع كيس بلاستيك بالمقلوب على يده الكبيرة ويقبض بواسطته كميةً منها .إن لم يصل إلى الوزن المطلوب يضيف بعضاً منها بالملعقة، ولكن إن لم تنفصل عنها بسهولة،  كما يحدث عادة، يقوم بعمل حركة قوية تطلق اللبنة في الكيس إطلاقًا مفاجئًا. الناس يشترون اللبنة بغزارة. لعلهم يأكلونها كمكونٍ أساسي في كل وجبة. على كل حال نعرف أن موسيو باشورى من عاشقي اللبنة فقد صرّح مرة بعزم أن "أطيب أكلة بالعالم اللبنة بالنعنع والجوز" وبعد يومين أعطتْني زوجته كيسًا صغيًرا من النعنع المجفف المدقوق لأجربه باللبنة. بالنسبة إلى عمل الدعاية لدكانه يعتمد موسيو باشوري على ميزة النزاهة. قال إنه لا يغش بالوزن كما يفعل بعض منا فسيه. دائمًا يزن الوزن المضبوط. ذكرت سابقًا أن كل شيء موجودٌ في دكانه بالستثناء شيء واحد، ألا وهو الحليب المركز. خيل إليَ ذات يوم أن أطلبه منه، لأن خيسوس اشترى علبة فخطر على بالي أن أصنع كريم كرميل. مدام باشوري أصرت أن تعطيني لبناً بدلا منه. ثم عندما شرحتُ لها بطريقة أحسن ما أردته، أكدتْ لي أنه في كل مدينة دمشق لا يوجد مثل هذا الشيء. قد أجده في فرنسا... ولكن ليس في دمشق، فاكتفيت بكلامها.هذه هي الصورة التي التقطناها أنا وخيسوس مع موسيو باشوري وأعطيناه نسخة فرح بها كثيرًا لدرجة أنه ضلّ ضاحكًا مبتهجاً كعادته ووضع الصورة على رفٍ تحت عيون الكل.

مشوار سوري

ذهبت أمس في رحلة فريدة، خاصة بالعادات السورية. دعتني ميللي أن أجمع المجموعة التي حضرت مؤتمرالزراعة في سوريا الذي نظّمَتْهُ يوم الخميس الماضي. كانت الرحلة الفعالية الختامية لهذا المؤتمر واشترك عدد من المحاضرين إضافة إلى بعض من زميلات ميللي وأقاربِهنّ. كنا حوالي 10 أشخاص. وجهة الرحلة المعلنة كانت معلولا. انطلقنا بباص أجرة، اشتغل مكيفه فقط عندما نزل السائق من الباص وفتح غطاء المحرّك وأعاد تشغيله. وصلنا إلى صيدنايا، القرية المسيحية التي سبقت أن زرتها. وتجول الباص في الشوارع بدون أن نخطو خطوة على الأرض وبدون أن نرى كثيرا أيضا إذ أن النوافذ كانت مغطاة بنوع من قماش المُخْمل الثقيل الذي لم يسمح للضوء بأن يدخل إطلاقا .ثم بدهشتي الكبيرة الناتجة عن سماعي الناس يقولون إنهم زاروا صيدنايا بهذه الطريقة، انصرفنا إلى دير الشروبيم. إنه مكان مرتفع ولذلك الجو بارد جداً. نزلنا ورأينا الكنيسة الصغيرة ثم بعد ربع ساعة غادرنا، ظننت إلى معلولا ولكن في الحقيقة بدلا من ذلك توقفنا فجأة في مطعم فأنزلونا. هنالك ابتدأت أومرحلة الأكل، الهدف الحقيقي لكل رحلة عربية سواء كانت في المدينة أو الريف أو الجبل. أحضروا لنا كل أنواع الطعام وحين ظننا أننا قد انتهينا، بدأوا من جديد بإحضار وجبات أخرى. مقبلات ولحوم وفواكه وحلويات وقهوة... لم أستطع الصمود واعتقدت أنهم يسمّنونني عمدا. بجانبي كان جالسا رفيقي خيسوس من إشبيليا الذي حدثت له كل ألوان المغامرات منذ أن وصل إلى سوريا. لأقص واحدة منها، تلك عندما دفع لسيارة الأجرة من المطار إلى دمشق 25 يورو بينما تكلفة الرحلة عادة 5 يورو فقط. لاحقاً، بعد أن مرّ بعدد من الفنادق ووجدها جميعاً ممتلئة في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، اقترح سائق التاكسي Imageاستئجار شقة فأخذ صديقي إلى مكتب عقاري حيث أبرم عقد شقةٍ كبيرة كاملة ذات 3 غرف بثمن 80 يورو في اليوم... الآن خيسوس عنده إسهال ولا يعرف ما يجوزأو لايجوزأكله فيسألني عن كل وجبة "هل يصلح لي أكلها؟". اندهشنا كثيراً بوفرة الطعام إذ أن جميع الناس يطلبون أكثر من اللازم ويتركون الفضلات. عد خيسوس 15 صحن فواكه، يعني أكثر من واحد لكل شخص. تسلينا  بمنظر الناس وهم يستمرون في الأكل، في حين غادروا بنية زيارة الأماكن. كان برفقتنا أيضا أستاذ بجامعة فالانسيا ممن حضروا الاجتماع وفي طريق العودة عزف الغيتار وغنينا جميعاً. طلبت منه سيدة سورية أن يغني لنا أغنية المعقرونة وكان قصدها أغنية الماكرينا المكرزة لعذراء إشبيلية المشهورة!

تجديد التأشيرة

اضطررت أن أجدد تأشيرة الدخول إلى سوريا وأطلب الإقامة فخضعت لجهنم الإدارة السورية التي لست متأكدا من أني أعطي وصفا جيدا لها في هذه السطور القليلة. اكتفوا بمعرفة هذه الأمور. بعد ما عثرت المكتب المعني، كان عليّ أن أحصل على الاستمارات، بعضها يوزع في شباك من الشبابيك وبعضها الآخر يباع في دكان في الشارع. بعد ذلك وجب عليّ تعبيئة ثلاث ورقات متماثلة، لصق الطابع الذي يجب شراؤه في دكان آخر، ثم تصوير الجواز في محل ثالث وفي النهاية لا بدّ من أن أصتف بصبر أمام الشباك حيث الناس يتقدمك بمنتهى الوقاحة عندما تصل إلى جبهة المعركة، أي أمام الموظف. قررت أنا أيضاً أن أتقدم لئلا أبقى مدى الحياة في ذلك الموقف فمددت كل أوراقي إلى الشرطي الذي أخذها بعد أن اختار يدي من بين أيدي ثلاث أشخاص. للأسف رُفِضَ الطلبُ من قِبلِ الضابطِ الذي يُحتّم عليه توقيع المعاملة (وعلى المواطن أن يبحث عن كل التوقيعات في المكاتب المتعددة، طبعا) حيث قال إن صورتي صغيرة فتصورت من جديد. أخذت كل الأوراق مع الصور الجديدة للنقيب، ثم إلى مكتب آخر حيث استيقظ من أجلي الموظف الذي كان نائما واضعاً رأسه على الطاولة و قام بتسجيل معلوماتي. في النهاية أخذت الملف إلى الشباك الأول وسألت الموظف متى يمكنني استلامه ولكنه رد متضايقاً بسؤالي وقال لي "انقلع!" وطبعا لم يعطني وصلاً. كنا أنا وخيسوس مندهشين ومتسلين خصوصاً عندما طُلب من بعض الإسبانيات تحديد عنوان الإقامة وأدركن أنهن لا يعرفنه فحاولن الاتصال بصاحب البيت من الهاتف الجوال، ولكنهن لم يفهمن ما قيل لهن ففكرن أن يعطين الهاتف للموظف في الجانب الآخر من الشباك إلا أنه فقد الاتصال ثلاث مرات وضاقت نفسه قليلا... لم أستطع أن أمتلك نفسي من الضحك.